علمت بأنني لا بــد يومـــا *** سـأقضي ثم أدفن في تـــراب
فأبعث مثلمــا قد كنت حيــا *** لأجــزى بالنعيم أو العـــذاب
أبــوء اليوم مما كـــان مني *** من الآثــام في عهد الشبــاب
وأدعــو الله في سري وجهري *** عسى أن يــرتضي مني متـابي
حيــاتي هذه إيمــاض بـرق *** وعمــري في ذهاب لا إيـاب
وجسمي عن قريب سوف يبـلى *** كمــا تبلى سرابيل الثيـــاب
ففيم اللهــو يــا قلبي كأنــا *** على جهل بميعــاد الحســاب
كَغِرٍّ ســـاذج يغريه طيــف *** فيجري لاهثــا خلف السـراب
ويبسط دونمــا جدوى يديــه *** فيــرجع من حُنين بِالخِــلابِ
أَفِــقْ من غفــلة تردي ذويها *** وصن نفســا لها طبع الذئـاب
وَذُدْ عن حوض عرضك لا تدعه *** فَتَوْلَــغَ فيه ألسنة الكـــلاب
وغــادر هذه الدنيــا نقيــا *** كثير الأجر موفـور الثـــواب
وكــن عبدا لسيده مطيعـــا *** ولا تــأبق فلتقى في العــذاب
وعَجِّلْ بالإنــابة قبــل يـوم *** مريـع سوف يـأتي بالعُجـاب
مديــدٍ قدره خمســون ألفـا *** يشيب لهولــه ريش الغــراب
لــدى ملك عظيـم القدر تَعْنُو *** لقدس جـــلاله كل الرقــاب
فلا نــدم ولا دمــع سيغني *** ولا قــربى ولا جمع الصحـاب
ولا يجــدي لدى التحكيم جـاه *** ولا رحـم ولا فضـل انتسـاب
ســوى من جـاء مولاه بقلب *** سليــم واتقى سوء المـــآب
وعــاص قد تَزَيَّى بالخطايـا *** وألحـف جسمه رَقَطَ الإِهَــابِ
وأتبــعَ نفسه دوما هواهـــا *** فَكَشَّرَ للورى عن شر نـــاب
تنــاديه الحيـاة: تعال يا بني *** لقــد أنفقت عمرك في التصابي
فَـذُقْ شهدي وأَحْلِ به مـذاقا! *** وبعد حـــلاوتي ستذوق صابي
وعمِّــر كيفمـا ترجو طويلا *** فما بعد العمـــار سوى الخراب
ومهمــا عشت فاذكر أن يوما *** يصير ابن التراب إلى التــراب
فحـــظ الناس من مَرِّ الليالي *** كحظ الكف من قبض العُبــاب
فـــأعتب قبل أن يَغتَامَ موت *** فتسمـع: لاتَ ساعات العتــاب
لقد أعــذرت إذ أرسلت رسلا *** وقد جـاءتك آيــات الكتــاب
فــأما من تواضـع لي فَرَوْحٌ *** وريحــان وحـور من كِعـاب
وأمــا من تعـامى عن سبيلي *** فويــل مؤلم مـر الشــراب
ألا عنـدي هنـا عـدل وحـق *** وعنـدي ها هنا فصل الخطاب